الإرقاء
HEMOSTASIS
د.عماد عطا البياتي
مرّت أمام ناظري حادثة مألوفة، وكثيراً ما تمرّ أمامنا الحوادث المألوفة
يوميّاً ونغفل عنها ولا نلقى لها بالاً، ولكن هذه المرّة تنبّهت وحاولت
التفكّر في هذه الحادثة وتحليلها علميّاً والوصول إلى مدلولاتها وما تشير
إليه.
هذه الحادثة هي مشاهدتي لأحد أولادي وهو يُجرح جرحاً بسيطاً بسكّين
المطبخ.. وبدأ الولد يبكي من الألم وأخذ الدم يسيل من مكان الجرح ثمّ قمت
ببعض الإجراءات العلاجية البسيطة فتوقّف النّزيف وسكن الألم بإذن الله
وارتاح الولد.
نبّهتني هذه الحادثة المألوفة إلى عملية معقّدة جداً ومدهشة تجري في جسمنا وهي عملية الإرقاء (Hemostasis) وتعني منع فقدان الدم.
فعند قطع أحد الأوعية الدمويّة في الجسم تتمّ عمليّة الإرقاء بآليات متعدّدة عجيبة جداً وتشمل ما يلي:
أولاً: تشنّج الأوعية..
حيث يتولّد في الوعاء الدموي المصاب بعد قطعه مباشرة تنبيه يؤدي إلى تقلّص
جدرانه ممّا يقلّل جريان الدم منه فوراً. وينتج هذا التقلّص عن المنعكسات
العصبية وعن التشنّج الموضعي العضلي المنشأ وعن العوامل الموضعيّة من
الأنسجة المصابة ومن صفيحات الدم.
ثانياً: تكوين سدّادة صفيحية..
فإذا ما كانت الثّغرة في وعاء الدم صغيرة جداً ـ وهو ما يحدث للشخص مئات
المرّات يوميّاً خلال تأديته لنشاطاته الطبيعية ـ فإنها تُسد بالسدّادة
الصفيحيّة بدلاً من الخثرة الدموية. وهذه الآلية هي في حقيقتها عمليّة
ترميم للثغرات الوعائية بالصفيحات الدمويّة، ولذلك فإن الشّخص المريض الذي
لا يملك إلا القليل من الصفيحات تتولّد لديه يوميّاً المئات من المناطق
النّزفية الصغيرة تحت الجلد وبين الأنسجة الباطنة ولا يحدث ذلك للشّخص
السوي.
ثالثاً: تكوين جلطة دمويّة نتيجة تخثّر الدم..
والآلية الثالثة للإرقاء هي تكوين الجلطة الدمويّة التي تبدأ بالتكوين
خلال 15-20 ثانية بعد النّزف إذا ما كان قطع جدار الوعاء شديداً، أما إذا
كان القطع بسيطاً فإنها تبدأ بعد الإصابة بدقيقة أو دقيقتين. وتبدأ المواد
المنشّطة من جدار الوعاء المخرّب ومن بروتينات الدم الملتصقة به ومن
الصفيحات الدموية بتوليد عمليّة التخثّر.
وتمتليء فتحة الوعاء المصاب كلّها أو نهايته المقطوعة بالجلطة خلال 3-6
دقائق بعد الإصابة إذا لم تكن الفتحة كبيرة جداً. ثمّ تنكمش الجلطة خلال
20-60 دقيقة فيزيد ذلك من انغلاق الوعاء.
رابعاً: نمو النسيج الليفي إلى خثرة الدم لغلق ثغرة الوعاء بصورة دائمة..
حيث تُحوّل الجلطة إلى نسيج ليفي خلال اسبوع إلى اسبوعين.
إنّ هذا الوصف الموجز البسيط الذي وفّقت إليه هو لتوضيح الفكرة العامّة،
وإلا فالآليات التفصيلية تعمل بصورة مذهلة جداً وبتناسق عجيب معجز. ولو
راجعنا المصادر العلمية التي تتحدّث عن التفاصيل لأصابنا الإعياء العقلي
ولوقفنا بعيداً دون الفهم والاستيعاب الكامل الذي لا يحيط به إحاطة بشرية
إلا المتخصّصون في التخصصات الدقيقة في هذا الموضوع. بل حتى المتخصّصون
الفطاحلة في هذا الفرع من العلوم الطبية يقفون عند حدّ ويقولون هذا مبلغنا
من العلم، والموضوع أعقد وأدق ولا يُحاط به!!.
وأنا أقول: إن الذي يحيط به هو الخالق المصمّم، والمقدّر الحكيم، والبديع
المنعم جلّ جلاله الذي وضع تجليّات أسماءه وصفاته في تفاصيل مخلوقاته
المعجزة المدهشة.
ثمّ تفكّرت في رحمة الخالق بنا بخلقه تلك الأجهزة والآليات العجيبة
المذهلة التي أعيت العلماء والعقلاء، وبسببها نهنأ بالعيش الرغيد ونتمكّن
من مواجهة الأخطار والحوادث اليومية..
وأخيراً.. انتبهت لنفسي بعد طول استغراق في التفكّر وقلت لنفسي: سبحان
الله.. ماذا يحدث لو تأمّلت وتفكّرت في كلّ حادثة مألوفة تحدث أمامي كما
تأمّلت في هذه الحادثة.. أكيد أن أحوالي ستتغيّر نحو الأفضل، وسينمو
تعظيمي لخالقي جل جلاله.
HEMOSTASIS
د.عماد عطا البياتي
مرّت أمام ناظري حادثة مألوفة، وكثيراً ما تمرّ أمامنا الحوادث المألوفة
يوميّاً ونغفل عنها ولا نلقى لها بالاً، ولكن هذه المرّة تنبّهت وحاولت
التفكّر في هذه الحادثة وتحليلها علميّاً والوصول إلى مدلولاتها وما تشير
إليه.
هذه الحادثة هي مشاهدتي لأحد أولادي وهو يُجرح جرحاً بسيطاً بسكّين
المطبخ.. وبدأ الولد يبكي من الألم وأخذ الدم يسيل من مكان الجرح ثمّ قمت
ببعض الإجراءات العلاجية البسيطة فتوقّف النّزيف وسكن الألم بإذن الله
وارتاح الولد.
نبّهتني هذه الحادثة المألوفة إلى عملية معقّدة جداً ومدهشة تجري في جسمنا وهي عملية الإرقاء (Hemostasis) وتعني منع فقدان الدم.
فعند قطع أحد الأوعية الدمويّة في الجسم تتمّ عمليّة الإرقاء بآليات متعدّدة عجيبة جداً وتشمل ما يلي:
أولاً: تشنّج الأوعية..
حيث يتولّد في الوعاء الدموي المصاب بعد قطعه مباشرة تنبيه يؤدي إلى تقلّص
جدرانه ممّا يقلّل جريان الدم منه فوراً. وينتج هذا التقلّص عن المنعكسات
العصبية وعن التشنّج الموضعي العضلي المنشأ وعن العوامل الموضعيّة من
الأنسجة المصابة ومن صفيحات الدم.
ثانياً: تكوين سدّادة صفيحية..
فإذا ما كانت الثّغرة في وعاء الدم صغيرة جداً ـ وهو ما يحدث للشخص مئات
المرّات يوميّاً خلال تأديته لنشاطاته الطبيعية ـ فإنها تُسد بالسدّادة
الصفيحيّة بدلاً من الخثرة الدموية. وهذه الآلية هي في حقيقتها عمليّة
ترميم للثغرات الوعائية بالصفيحات الدمويّة، ولذلك فإن الشّخص المريض الذي
لا يملك إلا القليل من الصفيحات تتولّد لديه يوميّاً المئات من المناطق
النّزفية الصغيرة تحت الجلد وبين الأنسجة الباطنة ولا يحدث ذلك للشّخص
السوي.
ثالثاً: تكوين جلطة دمويّة نتيجة تخثّر الدم..
والآلية الثالثة للإرقاء هي تكوين الجلطة الدمويّة التي تبدأ بالتكوين
خلال 15-20 ثانية بعد النّزف إذا ما كان قطع جدار الوعاء شديداً، أما إذا
كان القطع بسيطاً فإنها تبدأ بعد الإصابة بدقيقة أو دقيقتين. وتبدأ المواد
المنشّطة من جدار الوعاء المخرّب ومن بروتينات الدم الملتصقة به ومن
الصفيحات الدموية بتوليد عمليّة التخثّر.
وتمتليء فتحة الوعاء المصاب كلّها أو نهايته المقطوعة بالجلطة خلال 3-6
دقائق بعد الإصابة إذا لم تكن الفتحة كبيرة جداً. ثمّ تنكمش الجلطة خلال
20-60 دقيقة فيزيد ذلك من انغلاق الوعاء.
رابعاً: نمو النسيج الليفي إلى خثرة الدم لغلق ثغرة الوعاء بصورة دائمة..
حيث تُحوّل الجلطة إلى نسيج ليفي خلال اسبوع إلى اسبوعين.
إنّ هذا الوصف الموجز البسيط الذي وفّقت إليه هو لتوضيح الفكرة العامّة،
وإلا فالآليات التفصيلية تعمل بصورة مذهلة جداً وبتناسق عجيب معجز. ولو
راجعنا المصادر العلمية التي تتحدّث عن التفاصيل لأصابنا الإعياء العقلي
ولوقفنا بعيداً دون الفهم والاستيعاب الكامل الذي لا يحيط به إحاطة بشرية
إلا المتخصّصون في التخصصات الدقيقة في هذا الموضوع. بل حتى المتخصّصون
الفطاحلة في هذا الفرع من العلوم الطبية يقفون عند حدّ ويقولون هذا مبلغنا
من العلم، والموضوع أعقد وأدق ولا يُحاط به!!.
وأنا أقول: إن الذي يحيط به هو الخالق المصمّم، والمقدّر الحكيم، والبديع
المنعم جلّ جلاله الذي وضع تجليّات أسماءه وصفاته في تفاصيل مخلوقاته
المعجزة المدهشة.
ثمّ تفكّرت في رحمة الخالق بنا بخلقه تلك الأجهزة والآليات العجيبة
المذهلة التي أعيت العلماء والعقلاء، وبسببها نهنأ بالعيش الرغيد ونتمكّن
من مواجهة الأخطار والحوادث اليومية..
وأخيراً.. انتبهت لنفسي بعد طول استغراق في التفكّر وقلت لنفسي: سبحان
الله.. ماذا يحدث لو تأمّلت وتفكّرت في كلّ حادثة مألوفة تحدث أمامي كما
تأمّلت في هذه الحادثة.. أكيد أن أحوالي ستتغيّر نحو الأفضل، وسينمو
تعظيمي لخالقي جل جلاله.
2009-08-11, 03:23 من طرف البرهومي
» صورة من اعماق الكون .. شاهد وعلق..
2009-07-10, 17:23 من طرف kheiro21
» إستفتاء ... يرجى الدخول من الجميع
2009-07-10, 16:53 من طرف kheiro21
» انتزع..قلبي..وغادر
2009-06-14, 11:56 من طرف chihaby
» ~~ جنون الليل ~~
2009-06-14, 11:56 من طرف chihaby
» شجرة الانبياء عليهم السلام
2009-06-14, 11:55 من طرف chihaby
» سبع حقائق علمية تشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم
2009-06-14, 11:54 من طرف chihaby
» شاب تهتز اركانه امام فتاة
2009-06-13, 23:03 من طرف النمر
» عضو جديد بالمنتدى
2009-06-13, 15:38 من طرف النمر